وتلك الثلة
الإيمانية التي لا تنظر أثناء المعارك الكثيرة، معارك الحياة والحضارة والحرب، هي
التي انتصر معها طالوت عندما تحول الجمع الكثير من بني إسرائيل الذين طلبوا القتال
إلى رغوة صابون نفختها الرياح، قال تعالى :﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ
شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ
مُدْبِرِينَ﴾ (البقرة:25)
فقد سار معه في
أول المعركة ـ كما يذكر المفسرون ـ ثمانون ألفا، ولم يثبت إلا الذين قالوا تلك
الكلمة وهم على عدة أصحاب بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، وكان من حكمة طالوت ودلائل بسطة
علمه أنه لم يعنف أحدا ليخرج معه، بل جعل خروج الناس معه تطوعا وفداء، ثم نقى من
جيشه كل جراثيم الفساد التي قد تنخر قوته ووحدته.
والقرآن الكريم
يكاد يختصر تلك الثلة أيضا في داود عليه السلام عندما قتل جالوت، وارتبط بقتله
النصر، لأن النصر في المعارك قد يكون بفتح باب، وقد يكون بصيحة، وقد يكون بخفقة
ريح، وقد يكون بقطع رأس كرأس جالوت.
وفي معارك الحياة
والحضارة قد تختصر الأمة من الأمم والقرية من القرى في مخترع أو مكتشف أو فيلسوف
أو رباني لتنفخ في الغوغاء الرياح.
وقد جعل الله تعالى
من آياته أن ينتصر المؤمنون في أول لقاء لهم مع المشركين في غزوة بدر مع كونهم
الثلة القليلة الحافية الجائعة العارية