ولا تنافي بين
الكثرة التي يذمها الله تعالى لاشتغال القلوب بها عنه وتلهيها بها عن حقيقتها وبين
الكثرة التي هي نعمة من نعمه على خلقه إذا أقاموا الدين وعرفوا كيف يتعاملون مع
كتبهم، حينذاك لا تفتح لهم أبواب الأرض فقط، بل تفتح لهم معها أبواب السماء،
فيأكلون من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكن الخلق مع هذا الكوثر الرباني يأبون إلا أن
تغلق في وجوههم أبواب السماء، وكأن اللذة لا تتحقق وأبواب السماء مفتوحة، قال تعالى
:﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ
أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ
لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ
مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾(المائدة:66)
وهذا الكوثر
الرباني هو الذي أعطاه الله تعالى لنبيه وكل من يسير على قدمه في مقابل عدم تلهيهم
بالتكاثر البشري الفاني الزائل.
وقد ذكر المفسرون
عن هذا الكوثر الرباني أقوالا كثيرة منها أنه نهر في الجنة، وقيل هو حوض النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم في
الموقف، وقيل هو النبوة، وقيل هو القرآن، وقيل هو تفسير القرآن وتخفيف الشرائع،
وقيل هو كثرة الأصحاب والأمة، وقيل هو الإيثار، وقيل هو الإسلام، وقيل رفعة الذكر،
وقيل نور القلب، وقيل الشفاعة، وقيل المعجزات، وقيل إجابة الدعوة، وقيل لا إله إلا
الله، وقيل الفقه في الدين، وقيل الصلوات الخمس.