وفي التعبير
بالكنز دون التجارة دليل على أن الموارد التي لا تنضب لتلك الدور جعلتهم يكتفون
بالكنز دون الاستثمار، لأنه لا يستثمر إلا من يخاف على رأس المال، ورأس مال أولئك
هو ألواحهم وصلبانهم، وفي الاقتصار على ذكر الذهب والفضة دون غيرها من صنوف
الأموال دليل على الثراء الفاحش لتلك الدور، وهذه الحقائق القرآنية كلها تطفح
بتفاصيلها كتب التاريخ.
والقرآن الكريم
يعتبر كل ذلك سحتا، ولكنه يبين أن ذلك هو دأب الأكثرية، لأن في كل دين زهاده وأهل
الإخلاص فيه، وهو من أساليب القرآن في حديثه عن المذاهب والملل فلا يعمم حين لا
يقتضي المقام التعميم:﴿وَتَرَى
كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ
السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (المائدة:62)
والمال هو أحد
الفتن الكبرى التي يختبر الله بها عباده، وأصل الفتنة إدخال الذهب النار لتظهر جودته
من رداءته، ولذلك جعل الله الأموال محكا لاختبار أصل معدن كل إنسان، هل هو ذهب أم
شوائب؟ قال تعالى :﴿ وَاعْلَمُوا
أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ
عَظِيمٌ﴾ (الأنفال:28)
وضرورة الاختبار
تقتضي التزيين والتحبيب إلى القلوب، تزيين أمور كثيرة يختلط فيها الحق والباطل،
ليظهر من يختار الحق ومن يختار الباطل ليتميز بذلك معدن كل إنسان، قال تعالى: P زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ
مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ