أخذ يصيح
بصوت عال ممتلئ بكل ألوان الآلام، ثم راح يقول: لا أزال أتذكر جيدا تلك الطريقة
الرهيبة التي عذبتهم بها.. ومع ذلك لم يخضعوا، ولم يلينوا، بل راحوا يسخرون من
عذابي لهم.. وصدقوا .. فأنا الآن أتجرع في كل لحظة ومنذ آلاف السنين ملايين أضعاف
العذاب الذي أذقته لهم.
قلت: لقد ذكر
الله تعالى ذلك، فقال: ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا
وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا
غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ
أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) ﴾ [غافر: 45 - 47]
قال: لقد
ذكرتني بذلك المؤمن الذي كان من أصحابي، ومن أتباعي في ظاهر الأمر، لكن قلبه كان
مع الله.. كنت أشعر بذلك.. لكن يداي لم تكن تستطيعان النيل منه.. لست أدري لم..
لقد كنت أشعر كأنه يسكن في برج عاج لا يمكن لي ولا لجنودي أن يرقوا إليه، أو
ينالوا منه.
قلت: لقد
ذكره الله تعالى، وذكر خطبته البليغة، فقال: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ
آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ
اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا
فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ