أيها الرفيق العزيز..
لقد رأيتك البارحة، وأنت تشكو ما نزل بك من البلاء إلى الذي تعلم أنه لا يستطيع أن
يفعل لك شيئا، لأنه مثلك، يداه كيديك أقل من أن تمتد لنفع نفسه، فكيف تمتد لنفعك؟
ولذلك دعك منه..
ودعك من الخلق جميعا.. فهم جميعا فقراء مستضعفون.. وارفع يديك إلى الذي يملك كل
شيء، وبيده ملكوت كل شيء.. وله الأسماء الحسنى التي تمتد إليك كل حين لتتعلق بها،
وتسير إلى الله من خلالها، لكنك تتركها، وتتعلق بالسراب، وبحبال الأوهام التي لا
تملك لك نفعا، ولا تدفع عنك ضرا.
لقد سمعتك تذكر
أن حالتك مستعصية، وأن ما نزل بك لا يمكن حله، وأن كربك لا يمكن كشفه.. وأنت محق
في ذلك ما دمت تمد يديك إلى من هو أضعف منك.. لكنك لست محقا في ذلك إن أنت مددت
يديك إلى من لا يعرف المستحيل، لأنه على كل شيء قدير.
وكيف لا تمد يديك إليه، وهو الذي
تولى تدبيرك في جميع أطوارك، منذ ذلك اليوم الذي خاطبك فيه بقوله: {أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172]، ووفقك فيه لمعرفته، وغرس في فطرتك الاستنجاد به..
فهو لم يخلقك، ولم يعرفك بنفسه، ليتركك، وإنما خلقك ليقبلك.. والشأن ليس في قبوله
لك.. فهو الكريم الذي لا يرد مقبلا.. ولكن الشأن في إقبالك عليه.. فإن أقبلت إليه
استقبلك، وإن سعيت إليه آواك، وإن استنجدت به أنجدك، وإن استغثت به أغاثك.
ألم تعلم أنه في الوقت الذي لم
يكن فيه أولئك الذين شكوت إليهم.. وكنت صبيا صغيرا، ضعيفا لا تملك لنفسك شيئا..
كيف غرس الرحمة في قلب والديك، فحضناك