أيها الرفيق
العزيز.. لا تشتغل إلا بعيوبك؛ فلست من الملائكة الذين وكل إليهم كتابة السيئات
والمعاصي، ولا من الموازين التي كلفت بوزنها.. ولست أنت الديان الذي يدين الخلق
عليها.. أنت لم تُكلف إلا بمحاسبة نفسك ومعاقبتها وتهذيبها.
أما الخلق؛ فإن
دورك ينتهي معهم بالنصيحة والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما الاشتغال
بعيوبهم، والبحث عن فضائحهم ونشرها وقذفهم بها، فلن يطهر قلبك من أدرانه، ولن يمحو
من سجل سيئاتك ما أرتكبت يداك.
لقد اتفق على
هذا كل العقلاء والناصحين من الأنبياء والمرسلين، والأولياء والصالحين.. ولست أراك
تسمعهم، أو تبالي بهم، مع أنهم لم يتركوا وسيلة للنصح إلا استعملوها.
لقد خاطبك
المسيح عليه السلام كما خاطبني، وخاطب جميع أولئك الغارقين في مستنقعات الأحقاد
التي جعلتهم ينشغلون بعيوب جيرانهم وأقاربهم وأصدقائهم عن عيوبهم، فقال: (لا
تنظروا إلى عيوب الناس كالأرباب، وانظروا إلى عيوبكم كالعبيد، إن الرجل يبصر
القذاة في عين أخيه، ولا يبصر الجذع في عينيه، وإنما الناس رجلان: معافًى ومبتلًى،
فاحمدوا الله على العافية، وارحموا المبتلى)
ومثله قال لنا
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم في وصيته لأبي ذر: (ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك..
كفى بالمرء عيبا أن يكون فيه ثلاث خصال: يعرف من الناس ما يجهل من نفسه، ويستحيي
لهم مما هو فيه، ويؤذي جليسه فيما لا يعنيه)، ثم قال: (يا أبا ذر، لا عقل
كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق)[1]
[1]
رواه الطبرانى، والبيهقى فى شعب الإيمان، وابن عساكر عن أبى ذر، جامع الأحاديث
(10/ 261)