الأرض إلى
الدرجة التي لم تطق حمله، فخسفت به.. ولم تكن لتخسف به لو أنه التفت إلى السماء،
وتسامى إلى جمالها، وترفع عن كل ذلك الحطام الذي استهلك وقته ولطائفه، وحول قلبه
قاسيا كالحجارة، وحول معدنه إلى تراب لا يختلف عن تراب الأرض.
هل علمت سر ما
حصل له؟.. إنه ذلك التكالب على الدنيا، والركون الشديد إليها، والذي لم يستطع أن
يتخلص منه أبدا.. ذلك أن الدنيا تأسر كل من تعلق بها، والأرض تقيد كل من وثق فيها
وركن إليها.
لقد ذكر الله
تعالى ذلك، ونهى عنه، فقال مخاطبا أولئك الذين غفلوا عن الجوهرة السماوية المقدسة
التي تنزلت إليهم من عيون الرحمة الإلهية، فجذبتهم حجارة الأرض وترابها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ
فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(38)﴾
(التوبة)
وقال مخاطبا
أولئك الذين سمعوا أصوات خشخشة الذهب ورنين الدراهم، فغفلوا عن تلك الأصوات
المقدسة التي تنزلت عليهم من السماء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الجمعة:
9]
وقال مخاطبا
أولئك الذين فتنوا بالمتاع المزيف عن المتاع الحقيقي: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ
الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 64]
أيها الرفيق
العزيز.. لا تحسب أني بهذا أدعوك لأن تترك حظوظك.. فحظوظك منك، وأنت منها، ولكني
أريد أن تترفع بحظوظك، وترفع همتك، حتى لا تبيع الجواهر بالحجارة، وحتى لا تقدم في
ذلك اليوم الذي يتقاسم فيه السابقون الغنائم، وأنت