تجعلنا نفوز بالدرجات في الأخرى،
وقد قال مبينا ذلك: { انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء: 21]
ولذلك فإن الدنيا دار للاختبار،
وليست دارا للاستقرار، والعاقل هو الذي يبحث فيها عما يدوم، وليس ذلك الذي يفني
عمره وجهده فيما يفنى، وقد قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا
وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46]
ولو كان للدنيا منزلة عند الله
لما عاش رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، وهو هدية الله العظمى إلى عباده، وأشرف خلق الله تلك المعيشة
التي لو قارنتها بمعيشتك، لعلمت مدى ازدرائك لنعم الله.. ولكنه مع ذلك كله.. كان ممتلئا بحمد الله تعالى، يشكره في كل محل، حتى في
تلك المحال التي يجتمع فيها الجوع والبرد والخوف وكل الآلام..
لقد كان رسول
الله a بعد ذلك الطعام القليل الذي لا يمكن لفمك ولا لمعدتك أن تستسيغه
يردد بكل لطائفه قائلا: (الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم، من علينا فهدانا وأطعمنا
وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد لله غير مودع، ولا
مكافأ ولا مكفور، ولا مستغنى عنه، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب،
وكسى من العري، وهدى من الضلالة، وبصر من العمى، وفضل على كثير من خلقه تفضيلا،
الحمد لله رب العالمين)[1]
هذه الكلمات ـ أيها الرفيق العزيز ـ يقولها رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بعد جوع طويل، قد يستمر أياما يضطر فيها لأن يعصب
الحجر على بطنه، ثم يكون أكله بعدها حبات تمرة قليلة مع الماء، أو كسرة شعير
يابسة..
[1] رواه النسائي في السنن الكبرى
برقم (10132) وابن حبان في صحيحه برقم (1352)