الجفان، وما ظننت أنّك تجيب إلى
طعام قوم عائلهم مجفوّ، وغنيّهم مدعوّ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما
اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه) [1]
ثم راح يصف له حاله، ليأتم به، وتأتم به
الأجيال من بعده، فقال: (ألا وإنّ لكلّ مأموم إماما يقتدي به، ويستضيء بنور علمه،
ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنّكم لا تقدرون
على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد.. فو اللّه ما كنزت من دنياكم
تبرا، ولا ادّخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من أرضها
شبرا، ولا أخذت منه إلّا كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أوهى وأوهن من عفصة مقرة)
ثم ذكر له أن زهده في الدنيا ليس
ناشئا عن جهله بها، وإنما هو ناشئ عن رغبته فيما عند الله.. وحتى يستوي هو وأبسط
المستضعفين من رعيته، ولا يتميز عنهم بمركب ولا ملبس ولا أي هالة من الهالات التي
تضعها عليك.. فلا يمكن أن يدرك عوز المعوزين، ولا فقر الفقراء من ميز نفسه عن
غيره.
لقد كتب الإمام علي يقول له: (و
لو شئت لاهتديت الطّريق إلى مصفّى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ،
ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من
لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشّبع!! أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى،
وأكباد حرّى!! أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة
وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ!
وهكذا راح يذكر له الأثر الحقيقي للمكانة
الاجتماعية، وهو الجد في مصالح