الناس، والعمل لخدمتهم، لا شد انتباههم،
والتطاول عليهم.. فقال: (أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم
في مكاره الدّهر؟ أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل
الطّيّبات، كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمّمها، تكترش من
أعلافها وتلهو عمّا يراد بها، أو أترك سدى أو أهمل عابثا، أو أجرّ حبل الضّلالة،
أو أعتسف طريق المتاهة)
ثم ختم الرسالة بهذا الشعار الذي لا
ينبغي لأحد يخاف الله أن ينساه أو يغفل عنه، لقد قال له: (فاتّق اللّه يا ابن
حنيف، ولتكفف أقراصك، ليكون من النّار خلاصك)
وهكذا ذكر في خطبة أخرى الأنبياء
الكرام عليهم السلام، أولئك الذين نالوا أعظم مكانة، وأشرف درجة، ومع ذلك لم يزدهم
الشرف ولا المكانة إلا زهدا وتواضعا.. لقد قال يصف رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم: (و لقد كان في رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم كاف لك في الأسوة، ودليل لك على ذمّ
الدّنيا وعيبها، وكثرة مخازيها ومساويها، إذ قبضت عنه أطرافها، ووطّئت لغيره
أكنافها، وفطم عن رضاعها، وزوي عن زخارفها)
وقال يصف موسى عليه السلام: (وإن شئت ثنّيت بموسى كليم اللّه
عليه السّلام حيث يقول: {رَبِّ
إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]، واللّه ما سأله
إلّا خبزا يأكله، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف
صفاق بطنه، لهزاله وتشذّب لحمه)
وقال يصف داود عليه السلام: (.. وإن شئت ثلّثت بداود عليه
السّلام صاحب المزامير، وقارئ أهل الجنّة، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده، ويقول
لجلسائه: أيّكم يكفيني بيعها؟ ويأكل قرص الشّعير من ثمنها)
وقال يصف المسيح عليه السلام: (.. وإن شئت قلت في عيسى ابن مريم
عليه