السّلام فلقد كان يتوسّد الحجر،
ويلبس الخشن، ويأكل الجشب، وكان إدامه الجوع، وسراجه باللّيل القمر، وظلاله في
الشّتاء مشارق الأرض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم، ولم تكن له
زوجة تفتنه، ولا ولد يحزنه، ولا مال يلفته، ولا طمع يذلّه، دابّته رجلاه، وخادمه
يداه) [1]
ثم ختم خطبته بذكر حبيته a، الذي رباه على عينه، فقال: (فتأسّ
بنبيّك الأطيب الأطهر a
فإنّ فيه أسوة لمن تأسّى، وعزاء لمن تعزّى، وأحبّ العباد إلى اللّه المتأسّي
بنبيّه، والمقتصّ لأثره.. قضم الدّنيا قضما، ولم يعرها طرفا، أهضم أهل الدّنيا
كشحا، وأخمصهم من الدّنيا بطنا، عرضت عليه الدّنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أنّ اللّه
سبحانه أبغض شيئا فأبغضه، وحقّر شيئا فحقّره، وصغّر شيئا فصغّره.. ولو لم يكن فينا
إلّا حبّنا ما أبغض اللّه ورسوله، وتعظيمنا ما صغّر اللّه ورسوله، لكفى به شقاقا
للّه، ومحادّة عن أمر الله)
ثم راح يصف حاله a، وزهده في الدنيا، وتواضعه فيها،
فقال: (و لقد كان a يأكل على الأرض، ويجلس جلسة
العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري، ويردف خلفه. ويكون السّتر على باب بيته، فتكون
فيه التّصاوير فيقول: يا فلانة- لإحدى أزواجه- غيّبيه عنّي، فإنّي إذا نظرت إليه
ذكرت الدّنيا وزخارفها. فأعرض عن الدّنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحبّ أن
تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتّخذ منها رياشا، ولا يعتقدها قرارا، ولا يرجو فيها
مقاما، فأخرجها من النّفس، وأشخصها عن القلب، وغيّبها عن البصر، وكذلك من أبغض
شيئا أبغض أن ينظر إليه، وأن يذكر عنده)