ثم راح يخاطب عقلي وعقلك وعقول
الناس جميعا، فيقول: (لقد كان في رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ما يدلّك على مساوئ الدّنيا وعيوبها، إذ
جاع فيها مع خاصّته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله، أكرم
اللّه محمّدا بذلك أم أهانه؟.. فإن قال: أهانه فقد كذب واللّه العظيم بالإفك
العظيم.. وإن قال: أكرمه، فليعلم أنّ اللّه قد أهان غيره حيث بسط الدّنيا له،
وزواها عن أقرب النّاس منه.. فتأسّى متأسّ بنبيّه، واقتصّ أثره، وولج مولجه، وإلّا
فلا يأمن الهلكة، فإنّ اللّه جعل محمّدا a علما
للسّاعة، ومبشّرا بالجنّة، ومنذرا بالعقوبة، خرج من الدّنيا خميصا، وورد الآخرة
سليما، لم يضع حجرا على حجر حتّى مضى لسبيله، وأجاب داعي ربّه.. فما أعظم منّة
اللّه عندنا حين أنعم علينا به، سلفا نتّبعه، وقائدا نطأ عقبه)
ولم تكن مواعظه قاصرة على لسانه،
بل كان فعله أبلغ من لسانه، وقد رويت الروايات الكثيرة من أحبابه وأعدائه تصفه
وتصف تواضعه وزهده وحاله، وهو أمير المؤمنين، وقد ذكره الأرقم، فقال: (رأيت علي بن
أبي طالب يعرض سيفا له في رحبة الكوفة ويقول: (من يشتري مني سيفي هذا والله لقد
جلوت به غير مرة عن وجه رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ولو كان عندي أربعة دراهم ثمن إزار لم أبعه)[1]
وذكره سفيان، فقال: (إن عليا لم
يبن آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وان كان ليؤتى بحبوبه من
المدينة في جراب.. وكان يختم على الجراب الذي يأكل منه ويقول: لا احب أن يدخل بطني
إلا ما اعلم) [2]
وذكره عمر بن قيس، فقال: (رئي
على علي إزار مرقوع فقيل له فقال: (يقتدى به