وهكذا نبه علماء هذه الأمة
وصالحوها إلى خطر تلك الأقلام المأجوره، فقال بعضهم: (إذا رأيتم العالم يغشى الأمراء فاحترزوا
منه فإنه لص)
وقال آخر: (ما من شيء أبغض
إلى الله تعالى من عالم يزور عاملاً)
وقال آخر: (من تعلم القرآن
وتفقه في الدين ثم صحب السلطان تملقاً إليه وطمعاً فيما لديه خاض في بحر من نار
جهنم بعدد خطاه)
وقال آخر: (ما أسمج بالعالم
أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيسئل عنه فيقال هو عند الأمير!)
وقال آخر: (كنت أسمع أنه يقال
إذا رأيتم العالم يحب الدنيا فاتهموه على دينكم حتى جربت ذلك؛ إذ ما دخلت قط على
هذا السلطان إلا وحاسبت نفسي بعد الخروج فأرى عليها الدرك وأنتم ترون ما ألقاه به
من الغلظة والفظاظة وكثرة المخالفة لهواه ولوددت أن أنجو من الدخول عليه كفافاً مع
أني لا أخذ منه شيئاً ولا أشرب له شربة ماء)
وقال آخر: (علماء زماننا شر
من علماء بني إسرائيل يخبرون السلطان بالرخص وبما يوافق هواه ولو أخبروه بالذي
عليه وفيه نجاته لاستثقلهم وكره دخولهم عليه وكان ذلك نجاة لهم عند ربهم)
وقيل لآخر: (لقد أحييت العلم
لكثرة من يأخذه عنك) فقال: (لا تعجلوا.. ثلث يموتون قبل الإدراك.. وثلث يلزمون
أبواب السلاطين فهم شر الخلق.. والثلث الباقي لا يفلح منه إلا القليل)
وسئل آخر: (ما بال كبراء زماننا
وملوكها لا يقبلون منّا، ولا يجدون للعلم مقدارا، وقد كانوا في سالف الزمان بخلاف
ذلك؟) فقال: (إنّ علماء ذلك الزمان كان يأتيهم الملوك والأكابر وأهل الدنيا
فيبذلون لهم دنياهم، ويلتمسون منهم علمهم،