أيها الرفيق
العزيز.. لست أدري هل ما سأقوله لك سيعجبك أم لا، لكني مضطر لأن أقوله، ولا يهمني
ما سيكون موقفك مني، حتى لو رميتني بالجمود والبلادة والتخلف والتطرف؛ فأنا أقبل
كل ذلك منك.. ولكني لا أتنازل عن مقالتي التي أريد أن أوجهها لك، والتي أوقن أنها
لن تعجبك، وأنت كما تعرفني لا أهتم بما يعجبك أو ما لا يعجبك؛ فالنصح الذي يمتلئ
بالمجاملات غش وخديعة.
وقبل أن أذكر لك
نصيحتي أريد أن أسالك، وأنت صاحب العقل الراجح والفكر النير عن مدة بقائنا في
الدنيا، ولا شك أنك ستجيب بالبداهة التي أعرفها عنك؛ فتقرأ لي قوله تعالى، وهو
يذكر النتيجة التي وصل إليها أهل الدنيا بعد ذهابهم للآخرة: {قَالَ كَمْ
لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ
بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا
قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون: 112 - 114]
ثم تذكر لي
بعدها ما تعودته عنك من ربط النصوص المقدسة بحقائق العلم؛ فتذكر لي أن هذه الكلمات
القرآنية حقائق يعرفها العلماء، وأنه لو وضعنا مدة عمر البشر جميعا أمام عمر
الكون، أو أمام الزمن اللامتناهي؛ فإنه سيتشكل لدينا رقم صغير جدا يكاد يكون
صفرا.. هذا بالنسبة لعمر البشر جميعا، فكيف بعمر كل واحد منا؟
وحينها سأسألك
عن هذا العمر القصير، وما يمكن أن ينتج عنه من نتائج مرتبطة بالأزل والأبد، وحينها
ستقرأ علي من النصوص المقدسة ما يدل على عظم غبن من فرط في هذه الفرصة التي تبنى
بها القصور، وتستغرس بها كل أنواع النعم، وتقرأ علي من ذلك قوله تعالى: { يَوْمَ
يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن: 9]