وتقرأ علي بعدها
ذلك التحسر الذي يصيب أهل النار عندما يعاينون النعيم الذي يعيشه أهل الجنة، كما
قال تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا
جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا
فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا
يَزِرُونَ} [الأنعام: 31]
وقد تذكر لي
حينها كيف تحولت أعمال المؤمنين إلى أنوار يهتدون بها في عالم الآخرة، في نفس
الوقت الذي يعيش فيه المستغرقون في الدنيا في عالم الظلمات المطبقة، لكونهم لم
يشحنوا بطارياتهم في الدنيا لتمدهم بالنور في الآخرة، كما قال تعالى مشيرا إلى
ذلك: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا
انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا
نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ
وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ
قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ
وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ
وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } [الحديد: 13، 14]
وحينها سأسألك
ملغزا، مختبرا ذاكرتك عن تلك القصة التي حكاها لنا معلم التربية، حين كنا صبية
صغارا؛ فذكر لنا أن رجلا قال عند موته: (يا ليتها كانت كثيرة.. يا ليتها كانت الجديدة..
يا ليتها كانت كاملة)
وحينها ستجيبني
بالبداهة التي أعرفها عنك؛ فتذكر لي أنه يشير بقوله: (يا ليتها كانت كثيرة) إلى
جاره الأعم، وأنه كان يأخذه كل يوم إلى المسجد، وعندما عاين ثواب هذا العمل عند
دنو أجله، قال: (يا ليتها كانت كثيرة تلك الخطوات التي أخطوها برفقة جاري الأعمى
لتكون حسناتي أكثر)
وتذكر لي أنه
يشير بقوله: (يا ليتها كانت الجديدة) إلى أنه كان لديه خفّان، أحدهما قديم، والآخر
جديد؛ فتبرع بالقديم، فعندما وجد ثواب هذا العمل عند دنو أجله، قال:( يا ليتها كانت
الجديدة؛ فلو كانت الجديدة لكان الثواب
أكبر وأعظم)