في نفس الوقت
الذي تتثاقل فيه على شرائع الواجبات والمستحبات.. فهل جاءت الشريعة لتعلمنا كيف
نمارس المباح، أم جاءت لترفعنا إلى ثقل الواجبات والمستحبات وكل التكاليف الشرعية؟
أنا لا أريد من
حديثي هذا أن أعظك أو أذكرك أو أوصيك؛ فأنا مثلك وربما أكثر منك تقصيرا، ولكني
أريد أن أكشف الحقيقة التي نحاول أن نشغل أنفسنا عنها بتلك اللعب؛ فالبشر جميعا ـ
كما قال رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ـ: (كل الناس يغدو،
فبائع نفسه، فمعتقها، أو موبقها)[1]
وقد قال قبل ذلك
مذكرا ومعلما وهاديا: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله
والحمد لله تملآن ـ أو تملأ ـ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان،
والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك)، ليعلمنا أن كل لحظة يمكننا أن نرتاد بها
فضاء الحقائق، وأن نصل بها إلى كل الكمالات.
فالحمد لله ـ
كما ذكر رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ـ وحدها تملأ ما بين
السماء والأرض، ونحن يمكننا أن نقولها عشرات الآلاف من المرات في الوقت الذي نقضيه
في مشاهدة مباراة واحدة، لا نتلذذ منها إلا كما يتلذذ المجنون بقضم أصابعه، ونحن
أيضا في تلك اللحظات لا نختلف عن ذلك المجنون، بل نحن أشد جنونا منه، فهو غير
مكلف، وهو لا يقضم إلا أصابع سرعان ما تفنى، أما نحن الذين ندعي العقل؛ فنقضم
أعمارنا، ونقضم أرواحنا وحقائقنا ولطائفنا، ونملؤها بالفراغ القاتل، ويوم القيامة
نعض أصابعنا من الندم على ذلك الوقت الذي قضيناه في ذلك الجنون الذي لم نستفد منه
إلا قسوة القلب، وضياع الوقت، وفقدان النور.
وقد ورد في بعض
الآثار ما يصور حقيقة ما سيحصل في الآخرة من الندم والغبن
[1] رواه
مسلم رقم (223) في الطهارة، باب فضل الوضوء، والترمذي رقم (3512)