ويريدون أن
يتبعوا الحق من غير أن يقدموا أي تضحية في سبيله، وقد روي أن رجلا من أهل الكوفة
كتب إليه يقول: (يا سيّدي أخبرني بخير الدنيا والآخرة)، فكتب إليه: (بسم الله
الرحمن الرحيم، أما بعد، فإن من طلب رضى الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس،
ومن طلب رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسّلام)[1]
وقد ضرب من نفسه
وأهل بيته المثل الأعلى في ذلك، حيث ترك جميع الخلق في سبيل الله، ولسان حاله يردد
تلك الأبيات المنسوبة لرابعة أو إبراهيم بن أدهم [2]:
تركتُ
الخلقَ طُرّاً في هواكا
وأيتمتُ
العيالَ لكي أراكا
ولو
قطَّعتني في الحبّ إرباً
لَما
مال الفؤادُ إلى سواكا
وهكذا قال
الزاهد العابد أويس القرني ـ ذلك الذي بشر به رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
وأثنى عليه ـ: (إن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لم يدع للمؤمن صديقا، نأمرهم
بالمعروف فيشتمون أعراضنا، ويجدون على ذلك أعوانا من الفاسقين، حتى والله لقد
رموني بالعظائم، وأيم الله لا أدع أن أقوم فيهم بحقه)[3]
وهكذا قال بعض
العلماء يحدث عن نفسه، وعن فتنة التصنيف التي قد تكون حجابا دون العالم وبث
الحقيقة التي يؤمن بها: (عجبت من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني والأبعدين،
والعارفين والمنكرين، فإني وجدت بمكة وخراسان وغيرهما من الأماكن أكثر من لقيت بها
موافقا أو مخالفا، دعاني إلى متابعته على ما يقوله، وتصديق قوله، والشهادة له، فإن
كنت صدقت فيما يقول وأجزت له ذلك كما يفعله
[2] وهي
من الأبيات التي ينسبها الكثير من الخطباء للإمام الحسين مع أنها في الحقيقة ليست
له، ولكن معناها صحيح النسبة إليه، بل هو أولى الناس بها، ولذلك لا حرج على من
ينسبها إليه، (انظر: أضواء على ثورة الحسين، السيد الشهيد محمد الصدر، محقق :
الشيخ كاظم العبادي الناصري، هيئة تراث السيد الشهيد الصدر، النجف الأشرف، ص102
و103)