أليس من العجب
أن يمكث المحققون في قضية قتل واحدة، عشرات الأشهر يبحثون ويتداولون، ويُسمح
للمتهمين بالاستئناف.. بينما أنت تحكم بأحكامك وفي لحظات معدودة، وفي قضايا ترتبط
بعشرات الآلاف من القتلى..وليس لك من دليل سوى تلك القنوات التي تنفخ نار الفتنة
أو أولئك العلماء الذين سكتوا عن اللصوص الكبار، وراحوا يفتون بتدمير مدن اللصوص
الصغار.
أليس هذا كله
تطفيف في الموازين.. أم أنك ترى أن البقال والجزار والعطار، سيوقف يوم الحساب لأجل
النقير والقطمير.. ولا توقف أنت الذي حكمت على شعوب كاملة، وسكت على شعوب أخرى، مع
أن الجرائم واحدة.
ليس ذلك فقط ـ
أيها الرفيق العزيز ـ تطفيفك في الموازين.. فأنا أراك في كل حين تضع معايير مختلفة
لوزن القضايا.. الواقعة منها والتاريخية.. وقد سمعتك مرة تدين الحروب الصليبية،
وجرائمها في حق المسلمين.. وسمعتك في نفس اليوم تبرر حرق المتوكل لعاصمة جورجيا،
وحرقه خمسين ألفا من سكانها، واعتبرت ذلك نصرا للإسلام..
فهل هذه شهادة
لله، أم شهادة للشيطان، ألم تسمع قول ربك: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا
قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ
عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]؟
وهكذا رأيتك
تتعامل مع كلمات ربك المقدسة؛ فأنت تحمل تنزيلها على تأويلك وفهمك، وتلزم غيرك به،
بل تبدع من يخالفك فيه، مع علمك بأن الذين تخالفهم لا يقلون عن الذين يوافقونك؛
فهل أنزل الله عليك من الفهم ما لم ينزل على غيرك؟.. ولم لم تتواضع، وتعتبر ذلك
فهمك، ثم تكل فهوم غيرك لربك الذي يحاسبهم ويدينهم، ويصنفهم كيف يشاء؟
وهكذا رأيتك
تتعامل مع هدي نبيك؛ فأنت تصحح من أحاديثه ما يتناسب مع مزاجك، وتضعف ما لا يتناسب
معه، ثم ترمي المخالفين لك بهجران السنة، والتزام البدعة، وأنت تعلم أنهم في
مواردهم ومصادرهم لم يطبقوا سوى ما وصلهم من السنة التي يعتقدون صحتها، فهم يسيرون
على ما هداه إليه علمهم.
وهكذا رأيتك
تتعامل مع المسلمين؛ فتقسمهم إلى طوائف وأحزاب، تلقيها جميعا