مالي يا بني كلما حدثتك عن الرزق انصرف ذهنك إلى
المال.. فهل ترى الرزق محصورا في المال؟ .. أم ترى أن الذي لم يُرزق مالا لم ينل
حظه من اسم الله الرزاق الذي تجلى لكل شيء؟.. أم ترى أن المال هو أساس الأرزاق
ولبها، وأن من فقده كان كمن فقدها جميعا؟
ليس الأمر كذلك يا
بني .. فما المال إلا رزق من أرزاق الله.. وفضل من فضله.. وقد يرى الله بفضله
وكرمه ورحمته بعباده أن في إعطائه منعا، فيمنعه، لا بخلا، وإنما كرما.. فالكريم
الحقيقي هو الذي يمنعك مما يضرك حتى لو اشتاقت له نفسك، أو حن إليه طبعك..
لقد قال رسول
الله a في الحديث القدسي حاكيا عن ربه سبحانه وتعالى هذا
المعنى: (وإن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة فأكفه عنه، ولو
أعطيته إياه لدخله العجب وأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا
الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح له إلا الفقر،
ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا السقم ولو أصححته
لأفسده ذلك، إنى أدبر عبادي بعلمي بقلوبهم إنى عليم خبير) [1]
ولذلك انصرف
بذهنك عند ذكر الأرزاق إلى روحك وعقلك وقلبك وكل لطائفك .. فهي كلها تحتاج أرزاقا
خاصة بها، وأقواتا لا يمكن للمال أن يلبي مطالبها، ولا أن يسد حاجاتها.
[1] ابن أبى الدنيا في الأولياء (ص 9، رقم 1) ،
والحكيم (2/232) ، وأبو نعيم في الحلية (8/318) ، وابن عساكر (7/95)