ولا تختصر
الإنسان في ذلك الجسد الذي لا يشكل إلا جزءا ضئيلا فانيا من حقيقته.. فالإنسان روح
وجسد.. وفي الروح كل أنواع اللطائف التي لا حاجة لها للمال، بل قد يفسدها، ويؤثر
فيها، ويحولها عن عالمها إلى العوالم الدنيا، حين تترك رحلتها الأبدية في العالم
الأسنى لتجعل كل همها ملء خزائنها من اليواقيت والجواهر، لا من الخلال والمكارم.
لقد ذكر الله
تعالى ذلك حين أخبر عن أولئك الذين تثاقلوا إلى الدنيا، وباعوا كلمات الله بأجور
محدودة، وثمن قليل، فقال: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ
فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 174]، ثم بين الجزاء الذي
ينتظرهم، أو ثمن السلعة التي باعوها، فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا
الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى
النَّارِ} [البقرة: 175]
ولذلك اجعل كل
همك يا بني في أرزاق الروح، تلك الأرزاق التي أخبر عنها رسول الله a، فقال: (إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله عز
وجل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، فمن أعطاه الله
الدين، فقد أحبه، والذي نفسي بيده، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن
حتى يأمن جاره بوائقه)، قالوا: وما بوائقه يا نبي الله؟ قال: (غشمه وظلمه، ولا
يكسب عبد مالا من حرام، فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا
يترك خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله عز وجل لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن
يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث) [1]