إن هذا الحديث، وفي كل حرف من حروفه يبين لك حقيقة
الرزق ومجالاته، وأنها أعظم من أن تحصر في ذلك المال، وخاصة إن كان حراما.. فهو
حينها وبال على صاحبه حتى لو تصدق منه، فتلك الآثار التي يتركها في القلب والروح
لا يمكن علاجها لا بالصدقات، ولا بغيرها.
لقد أخبر رسول
الله a عن بعض آثار ذلك الشغف بالمال، واختصار الرزق فيه،
فقال: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من
كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) [1]
وإياك يا بني أن
تترك ما ذكرته لك من النصوص المقدسة لتردد علي ما يذكره الغافلون من أقوال الشعراء
الذين يهيمون في كل الوديان، فتذكر لي قول من قال:
المال
يستر كل عيب في الفتى
والمال
يرفع كل وغد ساقط
فعليك
بالأموال فاقصد جمعها و
اضرب
بكتب العلم بطن الحائط
أو قول الآخر:
إذا قل
مال المرء قل بهاؤه
وضاقت
عليه أرضه وسماؤه
وأصبح لا
يدري وإن كان حازما
أقدامه
خير له أم وراؤه
فما صدقوا فيما ذكروا.. فما أكثر أصحاب الأموال
الذين ذهب جهلهم بشرفهم، وصاروا محل سخرية من الناس..
توهم يا بني لو
أن الله أعطاك من كل أموال الدنيا، ثم أخذ ما أعطاك من العلوم أو الأخلاق، فصرت
جاهلا سفيها.. فما تنفعك تلك الأموال حينئذ؟ وهل يمكن أن تفعل بك إلا مثلما فعل
الدب بصاحبه حين قتله، وهو يتوهم أنه يذب عنه؟
[1] رواه أحمد 3/ 323 (14515) وعبد بن حميد 1143
والبخاري، في (الأدب المفرد) 483 ومسلم 8/ 18 (6668)