هل رأيت يا بني
النظرة الثاقبة لهذا الحكيم الصالح، فهو لم ينظر إلى ما في خزائن الأمير من أموال،
وإنما نظر إلى ما في خزائن قلبه ونفسه من الأخلاق.. فتلك الأخلاق التي يجدها
الإنسان في نفسه، أو ييسر الله عليه اكتسابها لا يمكن لأموال الدنيا جميعا أن
تعوضها.
لذلك افرح بنعمة
الله عليك، وتذكر أولئك الذين يحنون إلى ما عندك من فضل الله.. فإنك إن نظرت إليهم
عظمت نعم الله عليك، ولم تحتقرها، وقد قال رسول الله a:
(إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه)، وفي
رواية: (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا
تزدروا نعمة الله عليكم)، وفي رواية: (انظروا إلى من هو أسفل منكم في الدنيا،
وفوقكم في الدين، فذلك أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) [1]
وقد قال بعض
الصالحين معبرا عن تأثير العلاج الوارد في هذا الحديث في نفسه: (كنت أصحب الأغنياء
فما كان أحد أكثر هما مني، كنت أرى دابة خيرا من دابتي، وثوبا خيرا من ثوبي، فلما
سمعت هذا الحديث صحبت الفقراء فاسترحت)
وصدق في ذلك،
فأكثر الفقراء الممتلئين بالهم والحزن، لم يكن همهم بسبب قلة رزقهم، وإنما همهم
بسبب الأغنياء الذين يرونهم، ولو أنهم كفوا عن النظر إليهم، أو نظروا إلى من هو
دونهم، لعاشوا أغنياء، ولو في أثواب الفقراء، والعبرة بما نعيشه، لا بما يقوله
الناس.
[1] رواه البخاري 11 / 276 ، ومسلم رقم (2963) ،
والترمذي رقم (2515)