الرفيعة، وأحكامها العظيمة، وشرائعها السامية، لا
يدخلون في ذلك أهواءهم، ولا آراءهم، ولا يلغون أي شريعة بحجة عدم تناسبها معهم،
وهل يمكن أن يأمر الله بشيء لا يتناسب مع خلقه؟
هذا هو المنهج
الوحيد الذي يمكن أن تمارس به السياسة لتبلغ دين الله، وتحققه على الأرض.. أما
الأساليب الأخرى، فقد رأيتها يا بني، ورأيت كيف وقع أصحابها في الصراع، وكيف راحوا
يتنازلون ـ لإرضاء الأهواء ـ عن كل شريعة، حتى يرضوا من يريدون أصواتهم.
ولم يكتفوا بكل
ذلك التشويه، وإنما راح بعضهم يحمل السلاح ليحول دين الله، وشريعته السمحة إلى دين
عنف وصراع وإرهاب..
وكل هؤلاء
يشوهون الدين، وهم أبعد الناس عن تبليغه .. فسياسة الأمم تبدأ بسياسة النفوس
وسياسة المجتمعات.. وبعدها يمكن للصالحين أن يقيموا دولتهم التي لا تحكمها إلا
المبادئ السامية، والشريعة الحكيمة.
ولا أعني بهذا
يا بني أن تتوقف عن الحديث في السياسة، فمعاذ الله أن أنهاك عن الاهتمام بأمور
المسلمين.. أو الوقوف إلى جانب المستضعفين.
فالبشر الآن..
مثل كل العصور.. منقسمون إلى قسمين: المستكبرين والمستضعفين.. ونحن مطالبون بأن
نقف في وجه المستكبرين.. وأن نقف في نفس الوقت مع المستضعفين المظلومين.. من غير
تفريق في ذلك بين أعراقهم ولغاتهم وأديانهم ومذاهبهم.
لقد أمرنا الله
بذلك.. بل أمرنا بنصرتهم بكل أنواع النصرة حتى العسكرية منها، فقال: {وَمَا لَكُمْ
لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ
هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا