سألتني ـ بني ـ فيما مضى من الأيام والسنين عن الكثير
من الشبهات، وقد أجبتك عنها بما أطاق عقلي أن يجيب، ولست أدري هل كانت إجابتي
كافية لعقلك أم لم تكن؛ فمن الصعب لعقلي أن يدرك بدقة ما في عقلك، ولا محل الشبهة
فيه، ولا المفاتيح التي تحلها.
لذلك أذكر لك
شيئا قد ينفعك في إزالة تلك الشبهات من أساسها، ولن تعود حينها بحاجة لي ولا
لغيري.. فالله الذي أتاح لتلك الشبهات أن تجد محلا لها في عقلك، أتاح لك كذلك
الكثير من الأدوية التي تزيل مادتها، وتطهر عقلك وقلبك منها ومن آثارها، ومن غير
مصدر خارجي.
وأول تلك
الأدوية أن تعلم مصدر الشبهات.. فإذا عرفته عرفت الأدوية التي تقاومه، فنحن لا
يمكننا أن نعرف كيفية مقاومة الداء في أجسادنا ما لم نعرف نوع الجراثيم التي
تغزوه، والفيروسات التي تحول بينه وبين التمتع بالصحة.
وقد أخبرنا ربنا
بأن المصدر الأكبر للغواية والضلال والشقاء هو إبليس، ذلك الذي يبحث في قلوبنا عن
محل ليرسل من خلاله الوساوس والشبهات التي قد نتصور أنها وليدة عقلنا الباحث،
بينما هي في الحقيقة ليست سوى إملاءات شيطانية كتبها في قلوبنا.
لقد قال تعالى
يصف تهديد الشيطان بتحقيق ذلك: { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ
لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ
مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 39، 40]
فهاتان الآيتان
الكريمتان تصفان بدقة كل المنابع التي تصدر منها الشبهات،