حساسا إلى درجة كبيرة، خشية أن يؤذي أي أحد من الناس،
حتى أنه قال: (إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في
صلاتي كراهية أن أشق على أمه) [1]
والورع ـ يا بني
ـ علامة الطهارة.. ألا ترى الثوب الأبيض النظيف كيف تظهر فيه أدنى الأوساخ.. بخلاف
الثوب الممتلئ بالأوساخ، والذي كثرت عليه، فصار لا يُفرق بين الجديد منها والقديم.
أما الورع..
الذي يراعي قلبه كل حين، فيتفقد كل الفتن التي ترد عليه، والسهام التي تصوب نحوه،
فينزعها، ويعالجها، ويعقم الموضع الذي أصيب فيه، فإن هذا حري بأن يكون طاهرا
سليما، متحققا بإنسانيته في صورتها الكاملة.
والورع ـ يا بني
ـ علامة المعرفة.. ذلك أن القلب هو المرصد الموجه لعالم الحقيقة، فإن كانت عدسته
ملطخة ممتلئة بالضباب، امتنعت عليه الرؤية.. بل ربما تختلط عليه، فيرى المنكر
معروفا، والمعروف منكرا.
لقد أشار الله
تعالى إلى ذلك، وبين دور الذنوب صغيرها وكبيرها في تشكيل البقع الحائلة بين القلب
والمعرفة الصحيحة، فقال: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]
وقد فسره رسول
الله a، فقال: (إن العبد إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في
قلبه، فإن تاب منها صقل قلبه، وإن زاد زادت) [2]
هل رأيت يا بني
خطر الذنوب، فآثارها لا تقتصر على تلك الأوزار التي تؤخَّر عقوبتها للآخرة، بل إن من
أخطر آثارها تلك العقوبات المرتبطة بالعاجل قبل الآجل،
[1] البخاري (707) و (868) ، وأبو داود (789) ،
وابن ماجه (991)
[2] ابن ماجه (4244) ، والترمذي (3334) ،
والنسائي في عمل اليوم والليلة (418)