وأخطرها ذلك الران الذي يحول بين القلب وبين إدراك
الحقائق أو التسليم لها.
ولذلك فإن أكثر
المجادلين في الدين، أو المعترضين على الرسل، أو المحتالين على الشرائع، لم يدعهم
إلى ذلك حجج قاطعة، ولا براهين ناصعة، وإنما دعاهم إليه تلك القاذورات التي طغت
على قلوبهم؛ فمنعتهم من رؤية الحقائق بجمالها وطهارتها.
لا شك أنك تريد
مني مثالا على ذلك.. ولك ذلك.. فلقمان لم يكن يربي ولده إلا بالأمثلة.. والأمثلة
جند الله التي تنقذ عباده من الغموض والإشكال.
إن مثل ذلك يا
بني مثل العسل الذي يوضع في وعاء مملوء بالقذارة والسموم، أو يخلط به.. حينها
سيصبح العسل مسموما.. وقد يصبح مذاقه مرا.. والمشكلة ليست في العسل، ولكن في
الوعاء الذي وضع فيه.. أو المواد التي خلطت به.
ولذلك ترى
الحقائق واحدة.. لكن بعضهم يسلم لها، ويفرح بها، وتؤثر في سلوكه وأخلاقه، وحياته
جميعا.. لكن منهم من تكون فتنة له.
لقد ذكر الله
تعالى ذلك، فقال: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ
أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ
إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ }
[التوبة: 124، 125]
وقد ضرب الله
مثالا على ذلك بالماء الذي يتنزل على الأرض، لكن الوعاء المستقبل له هو الذي يحدد
نوع النبات الذي ينبت به.. فالماء واحد، والثمار مختلفة.. قال تعالى: {وَفِي
الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ
صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا
عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}
[الرعد: 4]