وهم في الحقيقة يرددون نفس مقولة الشيطان: {أَنَا
خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12]، ولكنهم لا يقولونها لآدم عليه السلام، وإنما
يقولونها لله ورسوله.
لذلك أنصحك يا
بني أن تعيد مداركك إليك، وأن تخلصها من استحواذ الشيطان عليها، لأنك يمكن أن ترى
الحقائق من غير بصر، ولا أن تسمعها من غير أذن، وأول ما يفعله الشيطان هو
الاستيلاء على هذه المدارك، حتى يصبح الإنسان أضل من الأنعام، كما قال تعالى:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ
قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ
آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]
هذه يا بني
حقيقة كل تلك الشبهات التي كنت توردها علي كل حين.. لذلك أوصيك بأن تترك الانشغال
بها، وانشغل بما يبعد الشيطان عنك، ويجعله يهرب بجنوده من احتلاله لمراكز الإدراك
فيك.
وقد ذكر القرآن
الكريم طريقة ذلك، وهي ذكر الله، لأن الشيطان لا يستحوذ على الإنسان إلا بعد
نسيانه لذكر الله، كما قال تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ
فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ } [المجادلة: 19]
ولذلك فإن
الناسي لله، ليس ناسيا له فقط، وإنما ناسيا لنفسه أيضا، ذلك أنه لا قيام له إلا
بالله، ولا حفظ له إلا به، فإذا ابتعد عنه صار غرضا لكل السهام.. وأولها سهام
شياطين الإنس والجن، كما قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ
فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19]
ولذلك كان
الطريق الصحيح للهرب من الشيطان هو الهرب إلى الله.. { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ
إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50]
فلا يمكنك
مدافعة الشيطان بنفسك، ولا بعقلك، ولا بحزبك، ولا بأي جهة..