وقال مخاطبا أولئك الجبناء الذين قعدوا عن مواجهة
الباطل، واستسلموا للدنيا وأهوائها: (إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا
قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، واستمرت جدا ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة
الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا
يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقا حقا، فاني لا أرى الموت إلا سعادة،
والحياة مع الظالمين إلا برما، وإن الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم
يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون) [1]
هذا هو سيد شباب
أهل الجنة.. وهذا هو أسوة الصالحين الذين لا ترهبهم الجحافل ولا الجيوش ولا القوى
العظمى، ولا القوى الصغرى.. ولا يخافون لومة لائم عند قولهم للحق، وصدعهم به.
وهذه العزة
الحقيقية يا بني.. وكل من استعز بغيرها ذل.. فلذلك لا تنحني أمام المتكبرين.. ولا
تذل نفسك للمترفين.. فإن ربك هو الأكبر.. ولن يزيدك تملقك وتذللك لهم إلا مهانة..
ولن يذيقوك بإهانتك لنفسك بين أيديهم إلا ألوان الخسف والذلة.
أما أولئك الذين
يذكرون أنهم يتواضعون بذلك، فهم واهمون، وقد ورد في الحديث عن رسول الله a: (من تواضع لغني لأجل غناه ذهب ثلثا دينه) [2]
وروي أن بعضهم
سئل عن التواضع، فقال: (هو التكبر على المتكبرين)
وروي أن سليمان
بن عبد الملك أتى طاووساً فلم يكلمه فقيل له في ذلك، فقال: (أردت أن يعلم أن في
عباد الله من يستصغر ما يستعظم ذلك من نفسه)