فاحذر يا بني أن تذل نفسك، أو تتوهم أن من كثر
ماله، أو جاهه، أو سلطانه، أفضل منك.. فالفضل في عبادة الله وتقواه ومعرفته.. وليس
في تلك الشؤون التي تزول بزوال الحياة الدنيا، بل قد تزول قبلها.
وإن شئت أن تذل
نفسك لأحد، فاجعلها ذليلة أمام أولئك الطيبين الصادقين المتواضعين الذين لا تزيدك
ذلتك لهم إلا عزة وكرامة وشرفا.. لقد ذكر الله تعالى ذلك، ودعاك إليه، فقال في وصف
المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]
فأنت حين تذل
لهم تذل لربك.. لأنك لم تذل لهم لذواتهم، وإنما لإيمانهم وتقواهم وصلاحهم، فلذلك
كان تواضعك لهم، تواضعا وذلة لله.. ومن ذل لله ملأه بالعزة.. ومن تواضع لله ملأه
بالكرامة.