هذا هو السبب
الأول ـ يا بني ـ للنفور من الشقاء، وهو العلم بأسبابه ومسالكه وسدنته.. حتى لا
تختلط المسالك، فيسير النافر من الشقاء مع الأشقياء، ويحشر معهم، لتجانس صفاته مع
صفاتهم.. ولذلك فإن علامة السعادة هي الكون مع السعداء الذين { أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } [النساء: 69]، وعلامة الشقاوة هي الكون مع
الأشقياء، كما قال تعالى عن ذلك الذي يصيح في النار بسبب أصدقائه وقرنائه: { يَا
وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي
عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا
} [الفرقان: 28، 29]
أما الأمر
الثاني، وهو لا يقل عن الأول.. فهو العمل بالعلم، والخضوع له، وتسليم كل الجوارح
واللطائف لمقتضياته.. فلا ينتفع بالدواء من اكتفى بقراءة مركباته وآثاره، دون أن
يتيح له الفرصة للتغلغل بين خلاياه للقضاء على أدوائه.
وهكذا الدين..
فهو ليس علما فقط.. بل هو علم مع عمل.. ولا يمكن للعمل أن يتم من دون علم.. ولا
يمكن للعلم أن يثمر من دون عمل.. وإلا أصبح الإنسان مثل ذلك الطبيب الذي يحذر من
الإدمان، وهو مدمن.. لأنه لم يستطع أن يحول من معلوماته إلى أدوية يشربها، لتتغلغل
في كل خلايا ذاته.
والعمل بالعلم ـ
يا بني ـ لا يحتاج منك سوى الصدق مع الله.. فالله هو الذي يلهمك بأن تعمل، ويقويك
على العمل، عندما يراك صادقا مع الحق، ومسلما له، ومتهما نفسك الأمارة بالسوء.
ولذلك سعد آدم
بعد خروجه من الجنة، وعادت إليه تلك السكينة التي غادرته