أشد، وعذابها أدوم.. ومع أن الالتزام بالشريعة لا
يكلفهم بمثل ما تكلفهم به تلك المصالح البسيطة التي يحاولون بها الحرص على حياتهم.
وهكذا ترى أحدهم
يسافر المسافات الطويلة، ويتغرب عن أهله السنوات العديدة، ويذوق في ذلك كل الآلام
من أجل توفير مال لبيت يسكنه، أو محل صالح يعمل فيه.. لكنه إن ذكرت له قصور الجنة،
وأنها قد تنال بأعمال صالحة بسيطة يقوم بها تجده يتهاون في ذلك، ولا يهتم به.
وما ذلك كله يا
بني إلا بسبب ضعف الإيمان واليقين.. وإلا فلو أيقنوا بالآخرة، وعلموا ما ينتظرهم
فيها من الأجر العظيم، أو العذاب الأليم، لجرت أعمال الخير في أيديهم بكل سهولة
ويسر، ولتحولت حياتهم إلى تلك الحياة الكريمة التي جاء الرسل عليهم الصلاة والسلام
للدعوة إليها، والتي لا يمكن تحقيقها إلا بتحقيق الإيمان.
فالفرق بين
دعوات الأنبياء ودعوات غيرهم هي في هذا الجانب العظيم الذي يفتقده كل من لم يؤمن
بالله ورسله.. فهم قد يدعون إلى الأخلاق والقيم النبيلة، وقد يكونون مثاليين في
دعواتهم، لكنهم عندما يطالبون بذكر العوض عن تلك الجهود والمثاليات لا يجدون ما
يذكرون؛ فلذلك يصادرون من يطالبهم بكلمات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع.
لذلك حقق
الإيمان بالآخرة في نفسك ـ يا بني ـ حتى تستقيم كل شؤونك.. فـ {الْآخِرَةُ خَيْرٌ
وَأَبْقَى} [الأعلى: 17]، {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا
وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف: 57]
واجعلها منك
رأي العين، حتى تعيش في الدنيا بنفس متطلعة للآخرة.. فإن عملت أي عمل، رأيت ما
ينتظرك بسببه هناك.. فأنت تزرع هنا ما ستحصده هناك، وقد روي في الحديث عن عائشة
قالت: ذبحنا شاة، فقال رسول الله a: ما بقي منها؟