فقلت: ما بقي منها إلا كتفها، فقال a: (بقي كلها غير كتفها) [1]
فرسول الله a يشير في هذا الحديث إلى أن تلك الشاة التي تصدقوا بها جميعا إلا كتفها،
قد بقيت مدخرة لهم في الآخرة، وأنه لم يفتهم منها إلا كتفها الذي أكلوه في الدنيا.
إن الذي يعتقد
هذا الاعتقاد يا بني يجعل من حياته كلها مزرعة الآخرة، ليدخر هناك ما ينفعه..
وبذلك تستقيم حياته الدنيا بالبعد عن الترف والإسراف.. وتزداد علاقته بالخلق رسوخا
لمساهمته في كل مشاريع الخير.. وهذا ما يجعل من الإيمان باليوم الآخر أكبر أداة
للتنمية والإصلاح.
واعلم ـ يا بني
ـ أن العارفين بربهم يعيشون الآخرة، قبل قدومهم عليها؛ فأجسادهم مع الخلق،
وأرواحهم مع الله.. يعاينون كل ما حجب الخلق عن معاينته بسبب ذلك الران الذي طغى
على قلوبهم.
وقد ورد في
الحديث عن الحارث بن مالك الأنصاري، قال: مررت بالنبي a،
فقال: (كيف أصبحت يا حارث؟) قال: أصبحت مؤمنا حقا. فقال: (انظر ما تقول؟ فإن لكل
شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟) فقال: قد عزفت نفسي عن الدنيا، وأسهرت لذلك ليلي،
واطمأن نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون
فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها. فقال: (يا حارث عرفت فالزم)[2]
ولذلك تخاطب
الملائكة أولئك الذين غفلوا أن يدركوا هذه المعاني بقولها: {لَقَدْ كُنْتَ فِي
غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}
[ق: 22]