فالغفلة التي سببها ضعف الإيمان، والحجاب الذي ران
على القلوب بسبب المعاصي هي التي تمنع من تلك الرؤية، وذلك الشهود.. وإلا فإن كل
من امتلأ قلبه بصدق ما جاء به الرسل، وعلم أنه يستحيل على من دبر هذا الكون بكل
هذا النظام المحكم ألا يخصص دارا يجازي فيها عباده.. من علم هذا علم اليقين،
يستحيل عليه ألا يعيش بقلبه ونفسه روحه عالم الآخرة قبل أن يقدم عليها.
وإن شئت مثالا
لذلك يقرب لك ذلك يا بني.. فلك ذلك..
ألا ترى أن كل
منشغل بشيء، يضعه دائما بين عينيه، حتى يشجعه ذلك على تحقيقه؟.. ألا ترى الطالب
الذي يبذل كل جهوده في دراسته، ويتخلى عن الكثير من حظوظه وأهوائه وراحته، وكل ذلك
لأنه يضع النجاح بين عينيه، ويعتبر مكسبا عظيما من مكاسبه.. ومثل ذلك التاجر
والفلاح والعامل.. وكل أصناف الناس.. فهم يضعون أهدافهم بين أعينهم، وكأنهم يروا
رأي العين، حتى يتيسر عليهم بذل الجهد في سبيلها.
وهكذا الأمر
بالنسبة للآخرة، فمن اعتقد أنها مصيره ومستقبله.. وأن حياته فيها هي الحياة
الحقيقية.. فسيسعى بكل جهده لتحقيق ما تتطلبه الحياة الجميلة فيها من مطالب.
ولذلك فإني مهتم
بمستقبلك يا بني.. لا بمستقبلك في الدنيا فقط، بل بمستقبلك في الآخرة أيضا.. فهو
المستقبل الحقيقي.. أما ما عداه فمكاسب محدودة.
والعجب من ذلك
الوالد الذي يهتم بمستقبل ابنه الدنيوي، ثم لا يهتم بصلاته ولا بدينه ولا بتقواه،
مع أن التفريط في ذلك سيحول بينهما في تلك الحياة الحقيقية..
ذلك أن الله
تعالى أخبر أن الصالحين يعودون لأهلهم، وهم ممتلئون