قوم نعلم ولا نعمل، لأن يكون لي مثل ركعتيك أحب إلي من
الدنيا وما فيها)، ثم قال: (جزى الله أهل الدنيا خيرا، أقرئهم منا السلام، فإنه
يدخل علينا من دعائهم نور مثل الجبال)
أعلم يا بني أنك
ستعترض علي، وتذكر لي أن هذا مخالف لما ذكره الله تعالى من دعوة اليهود إلى تمني
الموت.. والأمر ليس كما فهمت.
فاليهود اُختبروا
لحبهم للدنيا، وحرصهم عليها، ولم يختبروا لإيمانهم وتقواهم.. ذلك أنه ليس كل من لا
يتمنى الموت راغبا عن لقاء الله.. بل قد يكون من أكثر الناس رغبة في ذلك اللقاء
المقدس..
ولكنه يتمنى
تأجيله، لا لطلب شهوات الدنيا، وإنما لتطهير نفسه، والرقي بروحه حتى تصبح أهلا
للقاء الحبيب..
وإن شئت مثالا
يقرب لك ذلك، فاسمع لما قاله هذا الحكيم، فقد ضرب مثلا له بـ (المحب الذي وصله
الخبر بقدوم حبيبه عليه، فأحب أن يتأخر قدومه ساعة ليهيء له داره، ويعد له أسبابه،
فيلقاه كما يهواه فارغ القلب عن الشواغل، خفيف الظهر عن العوائق)[1]
وعلامة صدق
هذا، هو حرصه على الطاعات، وإكثاره منها، حتى لا يعاجله الموت، وهو ممتلئ
بالكدورات، وقد رئي بعض الموتى في المنام فقال: (ما عندكم أكثر من الغفلة، وما
عندنا أكثر من الحسرة)
لذلك اجتهد يا بني
في أن تعمل من العمل الصالح ما يؤهلك للقاء صديقك، وإياك أن تفتنك الدنيا، فلا
تراه بعدها أبدا.. فقد سمعته وهو يوصيك في آخر أنفاسه