رأيتك ـ يا بني ـ تنظر إلى الشيب الذي اشتعل برأس
أبيك كاشتعال النار في الهشيم بألم وحزن.. فلا تفعل ذلك.. والأمر لا يحتاج منك إلى
ذلك؛ فلا ينبغي أن نقابل نعم الله بالألم، ولا بالحزن، بل ينبغي أن نقابلها
بالابتسامة المصحوبة بالحمد والشكر والاعتراف.
ولهذا بدل أن
تنظر إلى ما بقي لأبيك من عمر، فتستقله وتحتقره، أن تنظر إلى ما مضى له منه، وتحمد
الله على أن الله أضاف له الكثير من الأيام والسنين التي تمكنه من تدارك التقصير،
وإصلاح ما أفسده، أو فرط فيه.
فالشيب ـ يا بني
ـ ليس مجرما اقتحم رأسي، وإنما هو رسول كريم من رب العالمين يبشرني بقرب لقائه،
ولقاء رسوله، ولقاء الأولياء والصالحين، وهل هناك من يرغب عن لقاء من يحبه؟
وهو أيضا نذير
لي لأحضر نفسي لذلك اللقاء المقدس.. بتطهيرها، وتصحيح أخطائها، وتقويم سلوكها، حتى
ألقى الله، وهو راض عني.
وهو فوق ذلك كله
مجرد تغير طفيف في لون الشعر، ولا علاقة له بالعقل، ولا بالقلب، ولا بالروح.. فروح
أبيك لا تزال في ريعان شبابها.. لم يحطم الشيب همتها، ولم يقعد بها، ولم يجتث
أشجار الآمال التي لا تزال متعلقة بها..
وكيف يفعل ذلك،
وهو يعلم أن الروح الصادقة المرتبطة ببارئها لا تزيدها الأيام إلا قوة وصلابة
وهمة.. والقلب المملتئ بالإيمان لا تزيده الأيام إلا صفاء وطهرا ورقيا.
فلذلك لا تحزن
على ما ألم بعالم الأجساد، فهو ليس سوى تراب، وسيعود