من عبادي من لا يصح إيمانه إلا بالصحة، ولو أسقمته
لكفر)[1]
فلذلك سلموا
الأمر لله، ولم يعترضوا عليه.. وكيف يعترضون، وهم يرون بأم أعينهم كيف يبطر
الأغنياء، وكيف يستبد الأصحاء، وكيف يتحول المستكبر العاتي إلى إنسان بسيط متواضع
بسبب مرض ألم به، أو فقر وحاجة اعترته؟
هم يعلمون أن
الحياة الدنيا حياة قصيرة، ولا قيمة لها في سجل الزمن اللا نهائي.. ولذلك لم
يبالوا بكل ما ينزل فيها من البلاء.. وكيف يبالون، وقد قال الله تعالى مخاطبا
رسوله a: { وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى }
[الضحى: 4]، وقال: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الْأعْلى: 17]؟
وكيف يبالون،
وقد أخبرهم الله تعالى أنه سيبتليهم، ولفترة محدودة، لا لعقابهم، وإنما لتمحيصهم
وتربيتهم، فقد قال تعالى: ﴿
وَلَنَبلُوَنكُم بِشَيء منَ الخَوف وَالجُوعِ وَنَقصٍ منَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ
وَالثمَراتِ وَبَشرِ الصابِرِينَ الذِينَ إِذَا أَصَـابَتهُم مصِيبَةٌ قَالُوا
إِنا لِلهِ وَإِنـا إِلَيهِ راجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌ من ربهِم
وَرَحمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ ﴾ (البقرة:155-157)؟
ولذلك لم
يلتفتوا للألم، وإنما التفتوا للبشارة المرتبطة بالألم، فحولوه من ألم إلى أمل..
وكيف لا يأملون،
والذي وعدهم بذلك هو الله، خالق كل شيء.. وقد وعدهم بالرحمة الشاملة التي لا تمتد
إلى أجسادهم فقط، وإنما لأرواحهم أيضا.. ولا تمتد لحياتهم القصيرة فقط، وإنما
للحياة الأبدية..
ولذلك غابوا عن
آلامهم بآمالهم، ولم يعد ذلك الداء الذي ينهش أجسادهم
[1]
رواه ابن ابي الدنيا في الاولياء (9/ 1 ح:1) و الكلاباذي في المعاني (377/ 1) و
ابو نعيم في الحلية (318/ 8 - 319).