رأى سعد ذلك تأثر كثيرا، ثم طلب منه أن ينصحه، فقال:
(اذكر ربَّك عند همَّك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت) [1]
هذه هي نماذج
الهمم العالية التي افتقرت بعد الغنى، وذلت بعد العز، وضحت في سبيل روحها بكل ما
يتطلبه جسدها من الراحة والعافية والسكون.
أما تلك التي
اغتنت بعد فاقة.. أو عزت بعد ذل.. أو اشتهرت بعد خمول.. فقد لا يكون الحق أو الخير
هو الذي أوصلها لذلك.. وإنما وصلت إليه بمعاندة الحق، واتباع سلوك أهل الباطل، ولذلك
لم تكن جديرة بأن تكون أسوة لغيرها..
وقد ورد في
الحديث أن رجلا مر على رسول الله a، فقال لبعض من عنده يختبره: ما رأيك في هذا؟
فقال الرجل: هذا (رجل من أشراف النّاس، هذا والله حريّ إن خطب
أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع)، فسكت رسول الله a،
ثمّ مرّ رجل، فقال له رسول الله a: (ما رأيك في هذا؟) قال: (يا رسول الله، هذا
رجل من فقراء المسلمين، هذا حريّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال
أن لا يسمع لقوله)، فقال رسول الله a:
(هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا) [2]
وفي حديث آخر ذكر a قصة تبين معايير
الهمم، ومدى الأخطاء التي يقع الناس فيها، فقال: (بينا صبيّ يرضع من أمّه، فمرّ
رجل راكب على دابّة فارهة وشارة حسنة، فقالت أمّه: اللهمّ اجعل ابني مثل هذا، فترك
الثّدي وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهمّ لا تجعلني مثله، ثمّ أقبل على ثديه
فجعل يرتضع.. ومرّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي
الله ونعم الوكيل، فقالت أمّه: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فترك الرّضاع ونظر
إليها، فقال: اللهمّ اجعلني مثلها، فهناك تراجعا الحديث، فقالت: مرّ رجل حسن
الهيئة فقلت: اللهمّ اجعل ابني مثله، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، ومرّوا بهذه
الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت، سرقت، فقلت: اللهمّ لا
[1] رواه ابن ماجة، 4104، وأبو نعيم في الحلية،
حياة الصحابة (2/ 545)
[2] قال الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 83): رواه
البزار واسناده حسن، وقال المنذرى فى الترغيب (3/ 561) ، وقال: رواه الطبرانى
والبزار وإسنادهما حسن.