هذه همتك العالية ـ سيدي ـ فأنت كآبائك وأجدادك، لم
يكن لك من مقصد سوى الإصلاح في أمة جدك a.. فأنتم
جميعا مثال الزهد والورع والتقوى، لا تطلبون مالا، ولا تحنون لما يحن إليه أولئك
الغارقون في مستنقعات الدنيا.
لقد كنت تخاطب أصحابك، والألم يعتصر قلبك على المصير الذي
صارت إليه الأمة حينما فارق سلطانها كتابها، وحينما تولى البغاة أمرها، فقلت: (والله
إنّي لأستحيي من رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم إذا لقيته ولم آمر أُمته بالمعروف، ولم أنههم عن
المنكر والله ما أُبالي إذا أقمت كتاب الله وسنّة رسول الله إن أُجّجت لي نار
وقذفتُ فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله عزّ وجلّ، والله لا ينصرني أحد إلاّ كان
في الرفيق الأعلى مع محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ صلوات الله عليهم ـ ويحكم
أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمّد a ونحن بنوه، يا معشر الفقهاء وأهل الحجى أنا حجة الله عليكم
هذه يدي مع أيديكم، على أن نقيم حدود الله ونعمل بكتابه...)[2]
ولم تكن تبالي سيدي بذلك الإعراض الذي تواجه به..
لأنك كنت تعلم أن كلماتك لم تكن موجهة لذلك الجيل فقط، بل هي موجهة لكل الأجيال،
لأنها الكلمات التي حفظت الدين من أن يصبح أفيونا للشعوب، أو لعبة بأيدي الطغاة.
لقد كنت تسير في الشوارع، وتجمع الناس، على الرغم من
المخاطر الشديدة التي كانت تعترضك، وكنت تخطب فيهم بكل أصناف الحجج قائلا: (أُذكركم
أيّـها السامعون لدعوتنا، المتفهّمون لمقالتنا، باللّه العظيم الذي لم يذكر
المذكورون بمثله، إذا ذكروه وجلت