نعم هذا موقف طيب من عائشة، والباغون يفخرون به
كثيرا، وينسون أن يذكروا معه في غمرة فخرهم واستعلائهم أن كل ذلك لم يخطر على بالك
أصلا.. وهل يمكن لمن هو في مرتبتك من الزهد والتقوى أن يطالب رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بمثل هذا أو غيره؟
لقد كنت ترين رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم كل شيء..
فلم يكن يهمك سواه.. فلذلك ضحيت بمالك كله في سبيل الله.. ولم تشتكي أي شكوى.. بل
بذلت ذلك برضا وطمأنينة وسعادة.
لكن البغاة يأبون إلا أن يتلاعبون بكل ما ورد في حقك
من فضل، باعتبارك المثال الأعلى للمرأة المسلمة، ليستبدلوا غيرك بصنوف الحيل التي
تعلموها في تمييع النصوص المقدسة والتلاعب بها.
ومن الأمثلة على ذلك إيراد الخلاف في التفاضل بينك
وبين عائشة، فقد قال بعضهم: (وفاطمة أفضل بناته على الإطلاق، وقيل إنها أفضل نساء
العالمين، وقيل بل أمها خديجة، وقيل بل عائشة، وقيل بل بالوقف في ذلك)[2]
ولست أدري كيف يطرح هذا ورسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ذكرك وابنتك فاطمة، ولم يذكر معك عائشة، ولكنهم أبوا إلا أن
يدخلوها، وأبوا إلا أن يزيدوا فيفضلوها.. من غير دليل إلا الأهواء، ولم يعلموا أن
الأمر مرتبط بالدين، لا بالأشخاص، وأن الله هو الذي يختار، لا رسوله، ولا غيره من
البشر، وقد قال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا
كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ الله وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾
[القصص: 68]، فقد اعتبر الله في الآية الكريمة الاختيار مع اختيار الله شرك، لأن
المشرك هو الذي يجعل نفسه أو غيره ندا لله.