وهذه الفرقة هي التي استثمرت صفات النفس، بل حولت مجرى نهرها لتسقي بها
الخلال الرفيعة والأخلاق النبيلة.
ويشير إلى ما فعلته هذه الفرقة من النصوص قوله a لأبي دجانة، وقد رآه يتبختر بين الصفين:(إنها لمشية يبغضها
الله إلا في مثل هذا الموضع)، يقول ابن القيم معلقا على هذا الحديث:(فانظر كيف
صارت الصفة المذمومة عبودية، وكيف استحال القاطع موصلا)[2]
بينما تظل الفرقتان اللتان خافتا من النهر ولم تستسخراه بمنأى عن ما يحمله
النهر من صدف وجواهر، بل قد يوقعه ذلك في الخلط والشبه بقدر مبالغاتهم في
رياضاتهم، وبعدهم عن ما أرشدت إليه الرسل من سبل الإصلاح، قال ابن القيم:(صاحب
الرياضات والعامل بطريق الرياضات والمجاهدات والخلوات هيهات هيهات إنما يوقعه ذلك
في الآفات والشبهات والضلالات فإن تزكية النفوس مسلم إلى الرسل وإنما بعثهم الله
لهذه التزكية وولاهم إياها وجعلها على أيديهم دعوة وتعليما وبيانا وإرشادا لا خلقا
ولا إلهاما فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم، قال الله تعالى: ﴿
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا
مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ (الجمعة:2))
ويشبه ابن القيم من اقتصر في تطهير نفسه من غير رجوع لما جاء في الشريعة
بالمريض الذي يعالج نفسه برأيه، (أين يقع رأيه من معرفة الطبيب، فالرسل أطباء
القلوب، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم وعلى أيديهم وبمحض الانقياد