نام کتاب : الأبعاد الشرعية لتربية الأولاد نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 315
والتسليم لهم)
وقد يحسب بعض المغرمين بالخلاف أن هذا خلاف بين ابن القيم والغزالي، وأن
الغزالي يرى قمع صفات النفس، بينما ابن القيم يرى سياستها، وهذا خطأ كبير، فإن
سياسة النفس لا تتم إلا بمجاهدتها.
أما قمع النفس، فإن الغزالي لم يقل به، بل رد عليه أبلغ الرد، قال في رده
على من قال باستحالة تغيير الأخلاق:(وأما الخيال الآخر الذي استدلوا به: وهو قولهم
إن الآدمي ما دام حياً فلا تنقطع عنه الشهوة والغضب وحب الدنيا وسائر هذه الأخلاق،
فهذا غلط وقع لطائفة ظنوا أن المقصود من المجاهدة قمع هذه الصفات بالكلية ومحوها
وهيهات فإن الشهوة خلقت لفائدة وهي ضرورية في الجبلة، فلو انقطعت شهوة الطعام لهلك
الإنسان، ولو انقطعت شهوة الوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية لم يدفع
الإنسان عن نفسه ما يهلكه ولهلك. ومهما بقي أصل الشهوة فيبقى لا محالة حب المال
الذي يوصله إلى الشهوة حتى يحمله ذلك على إمساك المال)[1]
ولهذا، فإن المطلوب ـ كما يرى الغزالي ـ ليس إماطة ذلك بالكلية، (بل المطلوب
ردها إلى الاعتدال الذي هو وسط بـين الإفراط والتفريط. والمطلوب في صفة الغضب حسن
الحمية وذلك بأن يخلو عن التهوّر وعن الجبن جميعاً. وبالجملة أن يكون في نفسه
قوياً ومع قوته منقاداً للعقل. ولذلك قال الله تعالى: ﴿
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ (الفتح:29) وصفهم
بالشدة وإنما تصدر الشدة عن الغضب ولو بطل الغضب لبطل الجهاد، وكيف يقصد قلع
الشهوة والغضب بالكلية والأنبـياء عليهم السلام لم ينفكوا عن ذلك)