وهكذا
قال له عبد الله بن مطيع إذ اجتمع به في الطريق على بعض مياه العرب: (أذكرك الله
يا ابن رسول الله وحرمةَ الاسلام أن تنهتك، أُنشدك الله في حرمة رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)، أنشدك الله في حرمة العرب، فو الله لئن
طلبت مافي أيدي بني أمية ليقتلنّك، ولئن قتلوك لا يهابون بعدك أحداً أبداً، والله
إنها لحرمة الاسلام تنتهك، وحرمة قريش، وحرمة العرب، فلا تفعل، ولا تأت الكوفة،
ولا تعرَّض لبني أمية)، قال: فأبى إلاّ أن يمضي [2].
وهكذا
روي أنه لقيه في الطريق أحد بني عكرمة ببطن العقبة؛ فقال له: (أُنشدك الله لما
انصرفت، فو الله لا تقدم إلاّ على الاسنة وحدّ السيوف، فانّ هؤلاء الذين بعثوا
إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطأوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأياً،
فأمّا على هذه الحال التي تذكرها فانّي لا أرى لك أن تفعل)، فقال له: (يا عبد
الله، إنه ليس يخفى عليّ، الرأيُ ما رأيتَ، ولكن الله لا يُغْلَب على أمره)[3]
وهكذا
كان يتعرض في كل محل يسير إليه، أو ينزل به لمن يريد أن يثنيه عن طريقه، ويخبره
بالمصير الذي ينتظره، ومع ذلك لم يأبه بهم، لأن الأصل كان أن يتبعوه، لا أن
ينصحوه.
ولو
فرضنا أنه استجاب لهم، ولم يذهب إلى الكوفة، لجاء أولئك الذين انتقدوه في خروجه
إليها، وذكروا أنه جبن عن الخروج، أو كانت فرصته للقضاء على ما فعله بنو أمية ولم
يفعل، أو لجعلوها ذريعة لتصحيح حكم بني أمية وتحريم الخروج عليهم.