وعند المقايسة بين قدرة الخلق كلهم ـ والتي استحقوا بها الإعجاب والمحبة
ـ مع قدرة الله تعالى نجد أن (أعظم الأشخاص قوّة وأوسعهم ملكاً وأقواهم بطشاً
وأقهرهم للشهوات وأقمعهم لخبائث النفس وأجمعهم للقدرة على سياسة نفسه وسياسة غيره
غاية قدرته أن يقدر على بعض صفات نفسه، وعلى بعض أشخاص الإنس في بعض الأمور، وهو
مع ذلك لا يملك لنفسه موتاً ولا حياة ولا نشوراً ولا ضراً ولا نفعاً، بل لا يقدر
على حفظ عينه من العمى ولسانه من الخرس وأذنه من الصمم وبدنه من المرض، ولا يحتاج
إلى عدّ ما يعجز عنه في نفسه وغيره مما هو على الجملة متعلق قدرته، فضلاً عما لا
تتعلق به قدرته من ملكوت السموات وأفلاكها وكواكبها والأرض وجبالها وبحارها
ورياحها وصواعقها ومعادنها ونباتها وحيواناتها وجميع أجزائها، فلا قدرة له على
ذرّة منها.. ثم ما هو قادر عليه من نفسه وغيره فليست قدرته من نفسه وبنفسه بل الله
خالقه وخالق قدرته وخالق أسبابه والممكن له من ذلك) ([299])
وفي مقابل ذلك، قدرة الله عز وجل، (فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم فهو الجبار القاهر والعليم القادر، السموات مطويات بـيمينه والأرض وملكها
وما عليها في قبضته وناصية جميع المخلوقات في قبضة قدرته، إن أهلكهم من عند آخرهم
لم ينقص من سلطانه وملكه ذرّة. وإن خلق أمثالهم ألف مرة لم يعي بخلقها ولا يمسه
لغوب ولا فتور في اختراعها، فلا قدرة ولا قادر إلا وهو أثر من آثار قدرته فله
الجمال والبهاء والعظمة