نام کتاب : معارف النفس الراضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 243
في الرتبة، فالعلو يطلق على التدريجات العقلية
كما يطلق على التدريجات الحسية.. فإذا قدرت شيئا سببا لشيء ثان، والثاني سبب
لثالث، والثالث لرابع إلى درجات كثيرة.. فالواقع في الرتبة الأخيرة هو الأسفل
الأدنى، والأول واقع في الدرجة الأولى من السببية فهو الأعلى، ويكون الأول فوق
الثاني فوقية بالمعنى لا بالمكان.. وهكذا في التفاوت الذي بين العلة والمعلول،
والفاعل والقابل، والكامل والناقص..
وبما أن الله تعالى منزه عن أن يحده المكان، فلذلك
لا يراد بعلوه ما يذكره المجسمة، فذلك يتنافى مع قدوسية الله وغناه عن الجهة
والمحل.. بل المراد به ما هو أشرف من ذلك وأعظم، وهو أن الموجودات لا يمكن قسمتها
إلى درجات متفاوتة في العقل إلا ويكون الحق سبحانه وتعالى في الدرجة العليا من
درجات أقسامها، حتى لا يتصور أن يكون فوقه درجة، وذلك هو العلي المطلق، وكل ما
سواه فيكون عليا بالإضافة إلى ما دونه، ويكون دنيا أو سافلا بالإضافة إلى ما فوقه([303])
ومن الأمثلة على ذلك أن العقل يقتضي انقسام
الموجودات إلى ما هو سبب وإلى ما هو مسبب، والسبب ـ
كما تعلم ـ فوق المسبب فوقية بالرتبة، ومن هذا الباب، فإن الفوقية المطلقة ليست
إلا لمسبب الأسباب.
ومثل ذلك الموجودات؛ فإنها تنقسم إلى ميت وحي..
والحي ينقسم إلى ما ليس له إلا الإدراك الحسي، مثل الحيوانات، وإلى ما له مع
الإدراك الحسي الإدراك العقلي.. والذي له الإدراك العقلي ينقسم إلى ما يعارضه في
معلوماته الشهوة والغضب، وهو الإنسان، وإلى ما يسلم إدراكه عن معارضة المكدرات..
والذي يسلم ينقسم إلى ما يمكن أن يبتلى به، ولكن رزق السلامة كالملائكة، وإلى ما
يستحيل ذلك في حقه وهو الله تعالى..