وقالت: (قد
شبهتمونا بالحمير والكلاب. والله لقد رأيت رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة، فأكره أن أجلس
فأوذي رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم فأنسل من عند رجليه) [1]
وردت عليه ما
رفعه إلى النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم من قوله: (إنما الطيرة في المرأة، والدابة،
والدار) بغضب شديد، وصفه الراوي بقوله: (فطارت شقة منها في السماء، وشقة في
الأرض)، ثم قالت: (والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ما هكذا كان يقول، ولكن نبي الله
a كان يقول: (كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في
المرأة والدار والدابة، ثم قرأت عائشة: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي
الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ
نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: 22]) [2]
وهذه الروايات
التي ردتها أم المؤمنين أو ردها الإمام الحسين، ومثلهما ردود كثيرة، لا تزال
موجودة في تراث المحدثين، وربما أسانيدها أقوى من الأسانيد التي نقلت بها حادثة
بني قريظة، فهل يمكن اعتبار تلك الردود ردودا سطحية عاطفية لا تتسم بالعلمية، أم
أن العلم الحقيقي هو الذي لا يستسلم للإشاعات وللكثرة، بل يحقق إلى أن يصل إلى
النتيجة مهما كانت؟
بناء على هذا
نحاول في هذا الكتاب أن ندرس هذه الحادثة عبر مجموعة أدلة يؤدي بعضها إلى بعض، أو
يتربت بعضها على بعض، وكلها مستلهمة من القرآن الكريم، باعتباره المركز، والمحور الذي
تناقش من خلاله القضايا المختلفة.
وننبه هنا ـ كما
نبهنا في القضايا المشابهة لها ـ إلى أن تفنيدنا لهذه الحادثة لا يعني عدم
[1]
رواه أحمد، 6/41، 78، صحيح البخاري، محمّد بن إسماعيل البخاري، دمشق وبيروت: دار
ابن كثير واليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، 1414هـ، 1/136 ، ومسلم 2/60.