ومن العجيب أن ينسب هذا الحكم لسعد بن
معاذ الصحابي الجليل الذي اتفقت الأمة جميعا على احترامه وتبجيله وتقدير تضحياته،
فهل يمكن لسعد أن يترك حكم القرآن الكريم، ويرغب عنه، وهو في آخر حياته، ليطبق
فيهم حكم التوراة، وهو يعلم تحريفها، وموقف رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم منها؟
فإن قيل: لم يكن في القرآن الكريم حكم
مرتبطة بتلك الحادثة، ولذلك اضطر سعد لأن يستعين بالتوراة؛ فهذا دليل على الجهل
بالقرآن الكريم، الذي وصفه الله تعالى بأنه بيان لكل شيء، وأن على الأمة أن تحتكم
إليه وحده، ولا تتبع أهواء الأمم الأخرى.
وقد ورد في ذلك آيات كثيرة؛ فالله تعالى
يقول مخاطبا رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا
عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً
وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48]، فهذه الآيات الكريمة تخبر عن هيمنة القرآن
الكريم على سائر الكتب، وأنه أصبح هو المرجع الذي لا يصح الرجوع إلى غيره، ولهذا
نهى الله تعالى رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم أن يتبع أهواء أهل الكتاب وغيرهم،
ويترك التحاكم للقرآن الكريم.
ويحذر القرآن الكريم من ترك التحاكم إلى
كتاب الله، واتباع الأهواء، فيقول: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ
عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ
النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 49]، بل إنه يعتبر التحاكم لغير القرآن
الكريم من الجاهلية، قال تعالى تعقيبا على الآية السابقة: ﴿ أَفَحُكْمَ
الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ
يُوقِنُونَ (50) ﴾ [المائدة: 50]