محقت بركة
بيعهما)[1]،
والذي يدل بصيغة قطعية على أن لكل من المتبايعين حق إمضاء العقد أو إلغائه ماداما
لم يتفرقا بالأبدان.
وقد ذهب إلى هذا
جماهير العلماء من الصحابة والتابعين.. لكن الإمام مالك خالف ذلك، ورد الحديث حتى
نقل عن ابن أبي ذئب –وهو من كبار علماء المدينة - أنه لما ذكر له أن مالكا لم يعمل به، قال: (يستتاب، فإن
تاب، وإلا ضربت عنقه)[2]
بل أكد موقفه
هذا الإمام أحمد نفسه حيث قال عن ابن أبي ذئب: (هو أورع وأقول بالحق من مالك)[3]
لكن مع ذلك نجد
العلماء جميعا يعتذرون لمالك، ويقفون منه موقفا طيبا، بل يبررون قوله، والمالكية
إلى الآن لا زالوا يأخذون بقوله في المسألة، ولا يأخذون بالحديث الوارد في صحيحي
البخاري ومسلم.
بل إن الذهبي ـ
مع تشدده مع أي ناقد أوصله الدليل إلى خلاف ما في كتب الحديث ـ يعتذر لمالك، ويرد
على الناقدين له، ويقول في رده على الإمام أحمد، وموقفه من ابن أبي ذئب: (لو كان
ورعا كما ينبغي، لما قال هذا الكلام القبيح في حق إمام عظيم، فمالك إنما لم يعمل
بظاهر الحديث، لأنه رآه منسوخا، وقيل:عمل به، وحمل قوله: حتى يتفرقا، على التلفظ
بالإيجاب والقبول، فمالك في هذا الحديث، وفي كل حديث له أجر ولابد، فإن أصاب ازداد
أجرا آخر، وإنما يرى السيف على من أخطأ في اجتهاده الحرورية، وبكل حال فكلام
الأقران بعضهم في بعض لا يعول على كثير منه، فلا نقصت جلالة مالك بقول ابن
[1] رواه البخاري 5/214 و 215 و 216، و
232، ومسلم رقم (1532)
[2] سير
أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي،
مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة، 1410 ه بيروت، 1/ 49.