نام کتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 189
مبارك ومظفر سبيل الملوك
الجبارين في إشادة البناء والقصور، والتناهي في عليات الأمور، إلى أبعد الغايات،
ومنتهى النهايات، بما أبقيا شأنهما حديثا لمن بعدهما. واشتمل هذا الرأي ايضا على
جميع أصحابهما، ومن تعلق بهما من وزرائهما وكتابهما، فاحتذوا فعلهما في تفخيم
البناء، فهاموا منه في ترهات مضلة، وتسكعوا في أشغال متصلة، لاهين عما كان يومئذ
فيه الأمة، كأنهم من الله على عهد لا يخلفه، واتسع الحدس في عظم ذلك الإنفاق،
فمنهم من قدرت نفقته على منزله مائة ألف دينار وأقل منها وفوقها، حسب تناهيهم في
سروها: من نضار الخشب ورفيع العمد ونفيس المرمر، مجلوبا من مظانه، وجلب إليهم سني
الفرش من سائر الحلي والحلل، فنفق سوق المتاع بعقوتهم، وبعثر عن ذخائر الأملاك
لقصرهم، وضرب تجارها أوجه الركاب نحوهم، حتى بلغوا من ذلك البغية وفوق ملء فؤاد
الأمنية، فما شئت من طرف رائع، ومركب ثقيل، وملبس رفيع جليل، وخادم نبيل، وآلات
متشاكلة، وأمور متقابلة، تروق الناظرين، وتغيظ الحاسدين، حرسها لهم المقدار إلى
مدة)[1]
ثم ذكر سبب كل ذلك الترف،
وآثاره، فقال: (وكان لمبارك ومظفر جملة ذلك النعيم، وفازا بقبض الخراج، ولم
يعرضهما عارض إنفاق بتلك الآفاق، فانغمسا في النعيم إلى قمم رؤوسهما وأخلدا إلى
الدعة وسارعا في قضاء اللذة، حتى أربيا على من تقدم وتأخر)[2]
ونقل عن ابن حيان قوله: (فمثل
دهرنا هذا فرس بهيم الشية ما إن يباهي بقرحة فضلا عن شدوخ غرة، قد غربل أهليه أشد
غربلة فسفسف أخلاقهم، واجتث أعراقهم، وسفه أحلامهم، وخبث ضمائرهم، فاحتوى عليهم
الجهل، واقتطعهم الزيف، وأركستهم الذنوب، ووصمتهم العيوب، فليسوا في سبيل الرشد
بأتقياء، ولا على معاني الغي بأقوياء، شاء من الناس هامل، يعللون نفوسهم بالباطل،
من أدل الدلائل على فرط جهلهم بشانهم، اغترارهم