قال: أما العارفون، فيعيشون الاضطرار، وهم في بحار النعم، لأنهم لا يرون منعما غير الله، فلا يضطرون لغير الله.
قلت: لقد ذكرتني بقول ابن عطاء الله:( ما طلب لك شيء مثل الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب إليك مثل الذلة والافتقار )
قال: بل ذكرتك بقوله تعالى:{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}(النمل:62).. أتدري السر الذي جعل العارفين يشعرون باضطرارهم الدائم إلى الله؟
قلت: ما هو؟
قال: هو ما عبر عنه الحق تعالى في هذه الآية بقوله:{ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ }
قلت: هذا خطاب للمشركين يذكرهم بالله.
قال: وهو خطاب للغافلين يدعوهم لتحطيم الأصنام التي ترقد في جوانب كعباتهم، وتحول بينهم وبين الاضطرار لله.
قلت: لا أعلم أن في الأرض كعبة غير الكعبة.
قال: في قلب كل إنسان كعبة، منهم من يعمرها بالتوحيد، ومنهم من يملؤها بالأصنام.
قلت: ولكني لم أفهم كيف يشعر بالاضطرار من يعيش في بحار النعم، فلا أعلم الاضطرار إلا في الوقت الذي يباح فيه أكل الميتة.