تقريباً، وانتهض للدعوة، وآمن به أمّة من العرب وغيرهم، وأنّه جاء بكتاب
يسمّيه القرآن، وينسبه إلى ربّه، متضمّن لجمل المعارف، وكلّيّات الشريعة التي كان
يدعو إليها، وكان يتحدّى به، ويعدّه آية لنبوته، وأنّ القرآن الموجود اليوم
بأيدينا هو القرآن الذي جاء به وقرأه على الناس المعاصرين له في الجملة؛ بمعنى:
أنّه لم يَضِعْ مِن أصله؛ بأن يُفقَد كلّه، ثمّ يوضع كتاب آخر يشابهه في نظمه أو لا
يشابهه، وينسب إليه، ويشتهر بين الناس بأنّه القرآن النازل على النبي a فهذه أمور لا يَرتاب في
شيء منها إلا مصاب في فهمه، ولا احتمل بعض ذلك أحد من الباحثين في مسألة التحريف
من المخالفين والمؤالفين)[1]
ومن الوجوه التي استدل بها على نفي التحريف:
1. إنّ للقرآن في آيه وسوره أوصافا خاصة ونعوتا قد تحدّى بها من أوّل
يومه، ونجدها كما هي محفوظة حتّى اليوم، كالإعجاز، وعدم الاختلاف، والهداية،
والنورية، والذكرية، والهيمنة، وما شاكل ذلك. فلو كان وقع فيه تحريف لزالت منه بعض
تلك السمات.
2. ما ورد في الأحاديث والروايات من العرض على كتاب الله، والرجوع إليه
عند مشتبكات الأمور، وحديث الثقلين، ونحو ذلك.
3. أنّ الوجوه التي تمسّك بها القائل بالتحريف كلّها مخدوشة غير وافية
بإثبات مقصوده.
4. ما ورد بشأن الجمع الأوّل والثاني يفيد القطع بأنّهم إنّما جمعوا ما
كمل في حياته a من آيات وسور. جمعوها بين الدفّتين من غير أن يمسّوها بيد في المتن زيادة أو نقصانا، وهو الباقي إلى اليوم بسلام.